القلق الدائم هدر للطاقة


محمد حامد – إيلاف: ربما لا يعترف البعض بسطوة العلم وتحليلاته المنطقية في توصيف وعلاج الأمراض والتوترات النفسية وعلى رأسها مرض العصر (القلق)، ولكن حينما تلتقي تلك التحليلات العلمية مع ما نمتلكه من موروثات اجتماعية وثقافية ودينية في تفسير وعلاج تلك الأمراض النفسية فالأمر يستحق أن نهتم به، فقد توصل غاري ماركوس في مقال علمي إجتماعي نشر بصحيفة التايمز اللندنية أن القلق بشأن المستقبل ما هو إلا هدر غير منطقي لطاقات البشر، فكل إنسان يقلق، الآباء يقلقون على أطفالهم، وهناك ملايين البشر يشعرون بالقلق على مستقبلهم الدراسي والمهني والاجتماعي، كما أننا جميعا مصابون بالقلق للتزايد السريع في أسعار الغذاء والوقود، ولكن ... هل القلق شيء ضروري وحتمي لا يمكننا تجنبه؟ إن الحكمة التقليدية تقول بأن ما يفعله البشر لابد وأن له سبب مقبول. ربما لا نحب القلق، ولكن النظرية تقول بأن القلق لابد وأن له بعض الفوائد.

هل هذا حقيقي؟ ربما حوالي 10 بالمائة من الأمور التي نقلق بشأنها هي أمور واقعية حقيقة، أما بقية الأمور فهي مجرد هراء قد لا يحدث أو قد حدث ولم يعد في مقدورنا فعل أي شيء بشأنه ( مثل فقدان الأموال في البورصة). وتوضح الدراسات أن الأشخاص الذين يقلقون كثيرا يكونوا في العادة أقل فعالية من غيرهم الذين لا يقلقون، كما أنهم في الغالب أقل سعادة. ومن خلال التجارب، أتضح أن القلقين أبطأ في الاستجابة من غير القلقين ( لأن القلق يستهلك الطاقة العقلية التي تعمل بفعالية عند استخدامها في أمر ما) وقد أظهرت دراسة معملية حديثة أجريت في جامعة بنسلفانيا أن مجرد وجود فرصة للقلق لمدة خمس دقائق كافية لتحطيم الحالة المعنوية للشخص.

ربما يكون من فوائد القلق أنه يحفزنا من أجل الاستعداد لاتخاذ موقف. فنحن ندرك التهديد – فقد يكون ثعبان على مسافة قريبة منا – وهنا ترتفع معدلات هرمون الكورتيزول وهو الهرمون الذي يتم إفرازه استجابة للخوف والاستعداد للقتال والدفاع عن أنفسنا، كما أن معظم القلق، في الوقت الحالي على الأقل، ليس بشأن تهديد فوري ولكنه بشأن تهديد بعيد الأمد. ماذا سيحدث إذا فقدت وظيفتي؟ هل سيستمر رفيقي في حبه لي؟ إن مثل تلك الأسئلة تستحق الاهتمام ولكنها ليست من ذلك النوع الذي يمكن حله في الحال.

ففي هذه الظروف، تكون مستويات الكورتيزول المرتفعة ضارة بنا. فالهرمون يهيئ أجسامنا للنشاط الجسدي إذا اضطررنا للهرب من الخطر. كما أنه يعمل أيضا على تثبيط الجهاز المناعي مما يجعلنا عرضة للإصابات. إن ما نحتاج عمله حقيقة هو الاسترخاء والتفكير بوضوح، ولكن التطور يقودنا عادة في الاتجاه المعاكس، فالتوتر عادة يؤدي إلى القلق والشلل و الإكتئاب أكثر مما يؤدي إلى التوصل إلى حلول مبتكرة. وقد وجدت دراسة حديثة في جامعة لندن، والتي أجريت على 542 شخص بالغ متوسط أعمارهم 60 عاما، بأن أولئك الأشخاص الذين ينغمسون في مشاكلهم ويبحثون عن الدعم الاجتماعي تنخفض لديهم مستويات الكورتيزول أكثر من أولئك الذين لا يفعلون ذلك.

وأصل كلمة القلق هي كلمة إنجليزية تعني الخنق. وهذا ما يفعله القلق عادة بالشخص، فالقلق يسيطر على عقولنا حتى لا نستطيع التفكير في أي شيء آخر. وعندما يتمكن منا القلق يصبح قويا ويستنزف وقتنا وطاقتنا. وما هو أسوأ أن يتحول القلق إلى ضريبة مفروضة على قلوبنا. وفي بداية هذا العام ربطت دراسة من جامعة كمبريدج بين الأزمات المالية وتزايد عدد الأزمات القلبية، وهذا قد يرجع إلى أن القلق المزمن الإكتئاب بدوره من الممكن أن يقودا الأشخاص إلى إدمان الكحوليات والتدخين والأكل بشكل مفرط وعدم ممارسة الرياضة.
يقال عادة أن القلق مثل الكرسي الهزاز، فهو يمدك بشئ تفعله ولكنه لا ينقلك إلى أي مكان. ربما زودنا التطور بفرصة للقلق، ولكن هذا لا يعني أنه يجب علينا نبلع الطعم.

كيف تتعامل مع مسببات القلق؟
تتمثل مسببات القلق في ثلاث مجموعات: تلك التي تتطلب اهتماما في الحال ( أجراس الخطر)، وتلك التي تحثنا على التركيز على المشكلات المستمرة، وتلك المسببات التي تسبق تهديدات مستقبلية. أما المجموعة الأولى التي تسمى أجراس الخطر فتتعلق بالأعمال الخطيرة. فإذا رأيت دخانا وكنت قلقا هل هناك حريق، فإنك تقوم بترك كل شيء والبدء في تحديد ما الذي يجب فعله.

أما المشكلات المقلقة التي تتكرر على ذاكرتنا دائما وهي المجموعة الثانية من مسببات القلق مثل أخذ الأطفال إلى دروس السباحة أو تذكرك بأن ترسل بطاقة تهنئة بمناسبة اجتماعية ما فيجب أن تتركها إلى التقويم، فيمكنك أن تستخدم الكمبيوتر أو برامج التخطيط اليومي من أجل التخلص من القلق في مثل هذه الحالات.

أما المشكلات المستقبلية فتستحق الاهتمام ولكن لا تتركها تتحكم في حياتك. حدد وقتا محددا كل يوم كي تقلق فيه بشأن المخاطر المستقبلية مثل المشكلات المالية ومستقبلك الوظيفي وما يمكن عمله بشأنها، ولا تجعل نفسك تفكر في تلك القضايا في وقت آخر غير الذي حددته لذلك.

استعد لمستقبل المقلق ولكن لا تنزعج... من الجيد أن تفكر في المستقبل ولكن ليس من المفيد أن تقلق بشأن الأشياء الخارجة عن إرادتك. لا تضيع طاقتك العقلية في مشكلات لا يمكنك أن تفعل أي شيء بشأنها. يجب أن تكون شخصا عقلانيا ... فالقلق يأتي من التفكير الآلي غير الموجه. فإذا وجدت نفسك تقلق بشأن أمر واحد مرتين في اليوم، اسأل نفسك هل الشيء الذي تقلق بشأنه يمكنك تغييره أم لا. إذا لم يكن في مقدورك تغييره، فاجبر نفسك على التخلي عن القلق بشأنه وفكر في شيء مختلف.

ومن الأشياء الهامة كذلك ألا تقتل نفسك محاولا أن تأخذ قرارات كاملة ومثالية، فكل قرار تتخذه يستهلك طاقتك العقلية. قد يكون من المفيد أن تفكر طويلا بشأن هل تتزوج أم لا، هل تنتقل إلى وظيفة جديدة أم لا، يكون لك طفل أم لا، ولكن عندما تكون في حالة خيار بين نوعين من السيارات أيها تشتري فلا تقضي وقتا طويلا في ذلك، فالشوكولاته والفانيليا كلاهما جيدتان وفي نهاية الأمر ليس من المهم أيهما تأكل.


بيني وبينكم

هالمقاله وايد اعجبتني من إيلاف، وقلت احطها اهني علشان يشوفها اكبر قدر ممكن من الناس.. فعلاً القلق مشكله

1 Comers:

Futrus said...

قريت المقدمه بس ، بكملها لما ارجع من الدوام ، لكن فعلا القلق بالنسبه للنجاح الدراسي مسبب لي هاجس وخوف وشاغل بالي 24 ساعه لدرجه ما اقدر افكر في شي ثاني تقريبا=/